عابر سبيل: بقلم رعد الإمارة

 عابر سبيل (باقة وجع وخيبة وأماني) 


١ (موت خجول ) 


كان يحتضر بين ذراعي، عيناه الزرقاوان شديدتا الجمال غائمتان، كان جسدي يرتعش كله، انتابني شعور قوي بأني  في سبيلي لفقدان أبي، تذكرت كيف كان يحملني في صغري ويدور بي، وضعتُ كلتا يدي تحت ابطيه وحاولت جذبه للأعلى، لم أستغث بأحد، كنت أشعر بخجلٍ لعين، أبي كان يحاول الكلام، لكن لاحروف تخرج من بين شفتيه،أمي وشقيقاتي الثلاث يخيّمنَ بصراخٍ خجول فوق رأسي، كنا عائلة مهذبة حتى في لحظات الموت! بالكاد قالت أمي :

_أبوك مات!؟ . قلت بصوتٍ غريب :

_بل أنا الذي مات يا أمي!. 


٢  (البداية ) 


الملعون، لم ينصرف، ظلَّ وجهه الحلو ملتصقاً بزجاح النافذة، حذرته بأن جدتي لاترحم، وبأن بوسعها لو أرادت أن تصفعه كفتاة في العشرين، لكنه لم يبالِ، ليس قبل أن يرسم قلباً بسهم يخترقه هكذا أرادني أن أفهم ، لكن وهو ينهي سخافته على الزجاج، فأن سهمه أخترق قلبي!.


٣(فتاة المطر) 


إنها تمطر!. قالت بمرح وصفّقتْ مثل طفلة، حاولتُ جذبها تحت شجرة الأكاسيا ، لكنها جرتني لعندها بقوة لا أعرف من أين هبَطتْ عليها، قلت وماتبعثر من شعري القليل يغسله وابل المطر :

_سأمرض، بل سنمرض كلينا لامحالة.

_ لاعليك، في كل الأحوال سنشفى، أشعة الشمس الآتية  ستفعل ذلك، إن لم تفعله العقاقير. قولها جعلني أعقد حاجبي بصورة فاتنة لطالما راقت لها، قلت مع نفسي :

_البنت مجنونة، المطر يعرف ذلك، وإلا ماهطل بهذه الصورة العجيبة، حسناً قد أبدو مهرجاً بشكلي المضحك هذا، لكن آه، ستظل هي فتاتي، أميرة المطر!.


٤(لفت نظر) 


جاري النحيف الذي يشبه عمود النور لم يكن لطيفاً، وقاحته جاوزتْ الحدود، يستند إلى جدار بيتهم ذو الشناشيل،  يحدّق في الأرض ما أن احاذيه، كلانا نحدق في ذات الشيء الذي يرميه أمامي، قشرة موز فاقعة الصفرة، الأحمق، وكأنه يدعوني إلى حفلة تزحلق ، حين أتنهد وأنا أكتم جحافل الغضب في صدري فأنه يبتسم، ابتسامته تجعلني أمضي يومي بسلام، حين أعود من نفس الطريق ترتطم عيناي بوردة ملقاة في ذات المكان، ذابلة وقد شوتها أشعة الشمس، مرة بعد مرة!.


٥  (عام آخر بدونك) 


أمسية العام الجديد لم تكن رائعة، كنا خططنا ان تكون كذلك أنا وحبيبتي ، لكن لا أدري، فجأة وجدتها تحدق في الألعاب النارية المتناثرة في السماء، أمسَكتْ بيدي، ثم ضَغطتْ، فَعلتْ ذلك بقوة، بعدها أخذتْ تنشج، الأمر ادهشني، فهذا الشيء ما كان بحسباني، فكرت بأن أقدّم لها كتفي ليسترخي رأسها الجميل عليه، لكن قبل أن أهم بذلك، وجدتها ترفع رأسها ثم تديم النظر في السماء التي أصبحت متوهجة الآن، قالت وهي تضحك فجأة مثل أي طفلة خرقاء :

_ أنا آسفة، تذكرت أبي، لطالما حملني وأخذ يدور بي، كنت طفلة.

_ وهل يجب أن أفعل، دعيني أحاول!.

_ أوه، أنت لم تفهم، ذاك كان أبي!!.


بقلم /رعد الإمارة /العراق /بغداد


تعليقات

المشاركات الشائعة