مذكرات مكنسة: بقلم فايز الصيني

 مذكرات مِكنسة

صفَّق الجمهور مطوَّلاً ، و بحكم تجربتي الطويلة أدركتُ أنَّ المسرحية انتهت ، فالتصفيق المختصر سمة الابتهاج من فقرةٍ مدهشة، و أما التصفيق الحاد و المديد فهو تعبيرٌ عن انتهاء الحفل أو لقدوم العمدة بعد طول انتظار ، و هذا ما كان، راحت الجموع تنزلق من الباب الخلفي، و النخبُ تتبادل التحايا ، وحده سيبقى و سيجرُّني من عنقي الطويل، ذاك الذي لا ينفكُّ ينفخ طيلة صخب المسرحية، ها هو قادم، ربما اعتدتُ على مصافحة الممرات و إزالة القاذورات ، أما حشرُ أهدابي بين قوائم المقاعد فهذا ما كان يقضُّ مضجعي ، و خير ما يفعله لإراحتي وقت إرجاع أرضية الكرسي لتطابق مسندها، حيث كان يمددني على كتفه كالنيشان، كنتُ أزهو و أدندنُ ، نحن المكانس لا أحد يفهم لغة دندناتنا، لها شيفرةٌ خاصة و تردد خاص ، و كل المكانس المستوحاة من ذات البستان تسمع دندنات بعضها حتى و لو كانت موزعةً في شتى الأقاليم شرطَ أن تكون ممددةً على الأكتاف ، ها أنذا الآن يتناهى لسمعي دندنات مكنسةٍ في ساحة المدينة، لا ريب في أن عامل النظافةِ يختالُ مرحاً في غياب المراقب، أو أنه يتناول سندويشة فلافل من مطعم يستعدُّ للإغلاق فأودع مكنسته كتفه المقعَّر ، فجأةً سكتت مكنسته عن الدندنة، ثمَّة خطبٍ لا شك حدثَ ، لم يشأ صوتي حتى انكفأ، فقد أنهى عامل النظافة طيَّ المقاعد، و أعادني إلى الحشر في الزوايا.

 في بقعةٍ بعيدةٍ ثمة أصوات استغاثةٍ لأقراني، بعضُها يصدر أزيزَ تَكَسُّرٍ، و لأوِّلِ مرَّةٍ أسمعُ فحيحَ الحصادِ يتخلُّلُهُ صوتُ المزارع و هو ينعي آخر رزمةٍ منَّا حيثُ سيتمُّ استبدالَنا بمكانس من بلاستيك .

تمت


تعليقات

المشاركات الشائعة