صدفة: بقلم نزيهة الخليفي

صدفة

 التقيت بها في الحافلة. كنت جالسة وراء السائق قرب النافذة .اقتربت مني قائلة : اجلس ؟ نحيت حقيبتي جانبا .جلست شاكرة .لم ادر كيف ولا متى ولا من منا بدات بالحديث الى الاخرى اولا .المهم انها حدثتني عن عائلتها عن زوجها عن ابنائها ،عن حماتها و عن كل شئ حدثتها .... ضحكنا سواء  .تاثرنا الى حد البكاء ...لنجد انفسنا في العاصمة.. .في محطة باب سعدون وقفنا نودع بعضنا.قالت وداعا يا ....قلت : فائزة .قالت: و انا شهرزاد .. قلنا معا والضحك يغلبنا : عاشت الاسماء...خطت خطوتين ثم عادت نحوي قائلة: هل نلتقي غدا ؟ قلت : لم لا ؟ قالت : غدا ، امام المسرح البلدي ،الساعة الواحدة .قلتOK! قالت اياك ان تخلفي هذا الموعد لا تجعليني اخذل مرة اخرى ....لست ادري كيف و لكني شعرت في حلقي بغصة كالتي شعرت بها في صوتها ...و في الغد كنت في الموعد قبلها... رايتها ...راتني... فتهللت اسارير وجهها

 و جرت نحوي تعانقني كما لو كنت اختها او صديقتها المقربة .قالت شكرا! لانك هنا ! شكرا لانك لم تخذليني كما خذلني حبيبي فيما مضى وتركني انتظره يوما كاملا تحت الشمس الحارقة   قلت : هل رايته بعدها ؟ قالت لا! لم اره من يومها .... لقد عوضني الله بخير منه لكني لم انسه ابدا .قلت لها ممازحة : نقل فؤادك  حيث شئت من الهوى اكملت قائلة: مالحب الا للحبيب الاول  و ان لم  يكن اهلا له .شعرت انها لا تريد ان تحكي شيئا اخر. فقلت : نتغدى اولا ثم ننطلق نحو المغازات للشرا ء.  التقطنا صورا مع بعضنا ..اشترينا اشياء تشبهني و اخرى تشبهها  وحين حل المساء ودعنا بعضنا...وفي سيارة التاكسي اخذت جوالي

 لالقي نظرة عل صورنا ...

...مرت شهور قبل ان اعود الى العاصمة مجددا...رأيتها تتجول بين أروقة فضاء تجاري وتتوقف من حين لاخر تتثبت من المعروضات على هذا الرف او ذاك ...انها هي ...هي عينها ...انها شهرزاد. تقدمت منها مسلمة...تهللت اسارير وجهها حين رأتني ..عانقتني طويلا و عانقتها ثم عادت تقبلني من جديد فاقبلها و احضنها وكلتانا غير مصدقة اننا نلتقي مرة اخرى.لقد لعبت الاقدار لعبتها معنا ..فرقتنا عن اناس كنا نظن ان الموت نفسه عنهم لن يفرقنا  و جمعتنا باخرين ما كنا نعرفهم و صاروا يوما بعد يوم منا أقرب فأقرب ..يا للأقدار كيف تلهو بنا...كنا نقول رب صدفة خير من ألف موعد...صدف هي الحياة كلها...مواعيد ترسمها لنا اقدارنا نسعى اليها و نظن ان حياتنا عليها متوقفة و صدف تسعى الينا تنسينا ما كنا نسعى اليه و تصبح أجمل المواعيد و اهم شيء في الحياة...

جلسنا على اقرب مقعد نسأل عن احوال بعضنا ...ثم سرعان... ما  غادرناه و خرجنا نبحث عن مكان أهدأ...قادتنا اقدامنا الى مقهى غير بعيد...و جلسنا نحتسي فنجاني قهوة...أخرجت علبة سجائر...أشعلت سيجارة و قدمتها لي ...فرفضتها شاكرة...قربتها من شفتيها و أخذت منها نفسا طويلا وهي تنظر الي متفرسة...قالت: اراك اليوم متغيرة...لكأنك كبرت فجاة...ماذا جرى ؟ ...ترددت كثيرا قبل ان اجيبها ...ما ذنبها لأحملها همومي...ألا  تكفي الهموم التي تحملها ؟ ..هممت بالبوح لكني أجبتها : لا ..لا .. لا شيء تغير ..لقد توعكت صحتي مؤخرا ...لازمت الفراش أياما ...

و تعافيت بعدها ...أنا كما ترين في صحة جيدة .لست أدري لم شعرت أنها لم تصدق روايتي و انها لن تتدخل في أموري مجددا...قلت: أما زلت باقية بالعاصمة؟... قالت : نعم سأبقى أسبوعا اخر..جئت هذه المرة لأرفه عن نفسي قليلا و لشراء بعض المستلزمات الخاصة...لقد أوشكت على. الانهيار العصبي... ما عدت قادرة على تحمل روتين حياتي ...وبتغيير الجو نصحني أفراد أسرتي...دهشة قد تكون. ارتسمت على وجهي  و هي تحدثني هل كانت تتحدث حقا عن نفسها ام تراها كانت عني تتحدث..من أخبرها أني مثلها تركت كل شيء ورائي و جئت الى. العاصمة هربا من روتين قاتل...مرة اخرى تغدينا سواء. ..و تجولنا في شوارع العاصمة...صارت لنا ذكريات مع بعضنا واخرى لكل واحدة منا على حدة تقاسمناها فصارت لنا ...من هنا شرينا كتابا.. و فستانا من هنا... و هنا التقينا و افترقنا هنا...و كان في الغد لنا لقاء...قررنا الذهاب الى الحمام..و الى صالون تجميل اذ قررنا تغيير مظهرنا ...فكان لنا ما أردنا ...يا الله كم ضحكنا امام المراة من انفسنا...اسبوع عشناه نلتقي صباحا و نفترق في المساء...عشنا كمراهقتين في عز الصبا...ما ضر لو اننا نقتطع من الزمان أياما نعيشها لأنفسنا ؟ ما ضر لو تمتعنا بعطلة من كل المسؤوليات؟ ..أو ليست الأقدار هي التي نسجت لنا هذه اللقاءات ؟ ... التقينا صدفة و يا لها من مصادفة فتحت لنا نافذة على نمط اخر من الحياة ..نافذة استرجعنا من خلالها حرية فقدناها ذات سنة.....


نزيهة الخليفي


تعليقات

المشاركات الشائعة