تابع قصة صدفة: بقلم نزيهة الخليفي

شهرزاد لم التق بها من شهور .لم تعد تهاتفني و لم اهاتفها....


هي تعلم اني لا استعمل الهاتف الا للضرورة القصوى....في حقيقة الأمر و الواقع لقد انشغلت عنها في المدة الاخيرة و لم اجب على رسائلها ...منذ أفقت هذا الصباح و شهرزاد لا تغادر فكري  أفكر فيها باستمرار .عساها تكون بخير....ما يقلقني أني لا احب استعمال الهاتف .غدا ان شاء الله أذهب لزيارتها ...هكذا قررت ضاربة عرض الحائط بالحجر الصحي و المخاوف من عدوى كورونا..كدت أقول گورينا ...ركبت سيارة الأجرة قبل الفجر بقليل...قبل الساعة العاشرة كنت أطرق بابها. كنت أعلم أنها لا تستيقظ قبل هذه الساعة ...فتحت شهرزاد الباب... فرحتها بي لا توصف ... كانت تنظر الي و كأنها لا تصدق أني أمامها راحت تضمني مرات و مرات قبل ان تأخذ الحقيبة من يدي و هي تقول:

 و الله جئت في الوقت المناسب...سبحان الله كأنك شعرت كم أحتاجك..قلت لا بأس..؟ قالت : ما ثمة كان الخير ..لا باس..أدخلي..غيري ملابسك  و تخلصي من هذا الجلباب...

و هذا الحجاب..أدركت أن شهرزاد وحدها بالمنزل .حتى ابنها غير موجود ... أه يا شهرزاد !

التحقت بشهرزاد الى المطبخ ...وضعت فنجاني قهوة امامنا

قبل أن تجلس قبالتي ...شهرزاد لم تقلع عن التدخين رغم وعودها لي...أشعلت سيجارة و مررت يدها على شعرها القصير المجعد ... سالتني عن جميع أفراد عائلتي ...

و حدثتني عن ابنائها الذين علقوا بفرنسا و كندا...حتى رامي ابنها الأصغر لم يعد هذه السنة...بقي مع أختيه بباريس..

قالت شهرزاد :أشعر أحيانا كما لو كنت سجينة وراء أسوار عالية ، محاطة باسلاك شائكة  ..اختنق ...أريد ان انطلق نحو فضاءات رحبة ..أريد أن اتنفس ملء صدري نقي الهواء..أريد أن أطير ...اريد ان احلق ... أريد ان اتحرر من المسؤوليات

 و العلاقات التي تكبلت بها  .... و اني لتضيع مني البوصلة وتتشابه عندي المسالك و الناس و الأشياء كلها و قد ارغب في تركها جميعها ...هروب او انكسار بمرارة فشل على جميع الأصعدة...شهرزاد لم تتغير...الشعرات البيض والتجاعيد لم تنل من نشاطها و لم تهدئ  من ثورتها ...لا شيء يعجبها ...لا شيء يرضيها ...هكذا هي صديقتي شهرزاد ...كنت استمع اليها مبتسمة...انتظرت حتى انهت حديثها .ثم سالتها كيف تقضي يومها و كنت اعلم مسبقا انها ستصب جام غضبها على الاوضاع الراهنة في البلاد و على السياسة و الساسة و كورونا وعلى من هب و دب لتختم قائلة: لا شيء كالمعتاد كل شيء تدنى ...صار أسوا ...صرنا نخشى الخروج الى الشارع في وضح النهار ...ربي يقدر الخير .

قالت ذلك و تهاوت امامي واضعة راسها على الطاولة ثم اردفت بصوت خال من أي نبرات .صوت مفرغ من الاحساس...لم يسبق لي أن رايتها على هذا الحال ...

اني متعبة للحد الذي يجعلني لا أهتم لشيء...لا أهتم لما يقال لي ،لما يقال حولي او يقال عني . كل ما يقال مجرد كلمات ...كلمات لا تعني لي شيئا..أريد أن أريح راسي في مكان لا أرى فيه أحدا...مكان ليس فيه واجبات...ليس فيه مجاملات...ليس فيه تفكير..لا حب...لا كراهية...لا حنين و لا اشتياق ... لا ذكريات ...أريد وقتا مقتطعا من الحياة ، ليس فيه حياة...تعبت  يا صديقتي ...تعبت...كانت شهرزاد تتكلم بتؤدة ..لم تتلعثم...لم تتوقف...كانها تحكي عني ...كيف عرفت اني امر بنفس الحالة ...يالها من مصادفة ...سبحان الله...لو ان صديقتي زينة كانت معي و سمعت ما سمعت لقالت نفس الشيء و لسألتني قائلة: هل اخبرت صديقتك الجديدة عني ؟ ماذا قلت لها ايضا ؟ 

زينة لا تعلم شيئا عن شهرزاد و لا شهرزاد تعلم شيئا عن زينة و مع ذلك ينتابني احساس بانهما تلتقيان في كثير من الأشياء.انهما متشابهتان كقطرتي ماء ...

ربما آن الأوان لاعرفهما على بعضهما ...لكن متى ...تبا لهذه الأيام العصيبة التي نمر بها .تبا لهذا الوباء الذي جعلنا نعيش في سجن من وراء سجن من وراء سجن اكبر  ...فجاة  وقفت شهرزاد .جذبتني من يدي قائلة: قومي ، هيا استعدي معي لنخرج على الاقل من هذا السجن... لنكسر الروتين... لنبتعد ...لنغير  يومنا ...لنجدد العهد مع الحرية....مع الحياة ..

كم تمنيت لو ان زينة كانت معنا ... ربما نلتقي عن قريب ثلاثتنا ...ارجو ذلك ...


نزيهة الخليفي

تعليقات

المشاركات الشائعة