مما كتب عهد عقيل عن الأم

 أمسية شِعرية

بالأمس
جائتني دعوة لحضور
أمسية شعرية
وأنا لا أُجيدُ الشِّعرَ
وﻻأفقهُ فيهِ شيئاً..
ترددتُ كثيرا..
ومن ثُمّ قررتُ الذهاب
وماإن وصلت كان الجميع
قَدْ فَرغوا من قصائدهم..
وضجيجُ أصواتهم
يكادُ ينخرُ عظم رأسي..
تَحاملتُ على نفسي
كي أصلَ المنصّة..
فأنا رجلٌ تساقطت أوراق عمري
واِنتهت صلاحيّتي منذ زمن بعيد
ظهري أصبح مثل شجرة مثمرة
تزاحمت عليهِ الطّيور
فاِنحنى حبّآ وشَغفآ
عينايَ لم تعد تبصر
إلّا في الظلام الحالكْ
قَدَمايَ قَصيرتان ،
يدايَ بالكاد تُمسكُ خشبة المنصة..
مددتُ يدي إلى صدري
جهةِ اليسارِ قليلاً
وهيَ ترتجفُ عَجزاً وخوفاً..
وسحبتُ من بينِ أضُلعي
ورقةً بيضاء لاتزالُ آثار
دمعتي عليها حين سقطت
خطّت في منتصفها
كلمةُ أمّي ..
وَرفعتها عاليآ بكلتا يداي
فوق رأسي..
فشهَقَ الجميع بصوتٍ واحد
وَخَيّمَ على الحضورِ
صمتٌ رَهيب .،
نعم أنا أعترف لكم
لقد كنتُ سبَباً في مقتلِ
جميع الحضور.
######
فاشلٌ جداً أنااا
لم ولن أكن يومآ شاعراً
ولم أكن يومآ  مجتهداً
في حياتي ولا مدرستي
وإذا ما حاولتُ أن أكتبَ
أوأتهجّى كلمة واحدة..
ترتجفُ يداي ويتصببُ
جبيني بالعرق ..
حتّى إنّني أفشلُ في
أبسطِ الأمور ..
أتعكزُ على أيّامي
بخيباتِ أملي
ودائماً ما أُمضي اللّيل
بين الهزلِ والجد
وأحيانًا بين السرِ والجهر
فأنا إنسان فاشل
بكل المقاييس...
حتى عندما كنت في الإبتدائية
وفي إمتحانات  اللغة العربية
كان موضوع التعبير
عن الطبيعة والحياة
وقال لنا المعلم إكتبوا
ماتعرفون عن الطبيعة والحياة
وما إن أدار ظهره لبرهة
حتّى سحبتُ من بين أضلعي
صورةً لأمي ..
وألصقتها على ورقةِ الإمتحان
وخرجتُ مسرعاً ...
ومازال المعلم والمدير لليوم
وهم يبحثون عنّي
فلا تخبروهم أين أنا
فأنا إنسانٌ فاااااشل ...
######

يَومَ وِلَادَتي..
رَمَتْ أُمِّي بِكُلِّ
زُجَاجَات العُطُورِ الفَاخِرَةِ
الَّتي أَهدَاهَا أَبي..
حَيْثُ أَنَّها أَصْبَحَتْ
تَكْتَفِي بِضمِّي لِصَدرِهَا
تُمَشّطُ شَعري بِأَصَابِعهَا
تُقبّلني بِنَفسٍ عَمِيق
لِتَتَعَطَّر بِأَنفَاسِي ..
أَمَّا نِسَاءُ الْحَيِّ
لَمْ يَعُدْ لَهُمْ حَدِيثٌ
سِوَى عِطْرِ  أُمِّي..
وَكُلَّمَا سَأَلُوهَا مِن أَينَ
تَأْتِي بِهَذَا المِسْكِ..تَصمُت
وَبَينَمَا أَنَا عَلى يَدِهَا ..
تَغمُرُنِي بِلَهْفَةٍ وَيَدِهَا عَلَى رَأْسِي
وَتَعُودُ بِي إِلَى البَيتِ مَسْرِعَة
خَوْفًا أَن يَلمِسَنِي أَحَد ،
وَمَعَ أَنَّ العِلمَ وَالدِّرَاسَات تَقُول
إِنَّ النِّسَاء أَضْعَف جَسَدِيًّا
مِنْ الرِّجَال..
إِلَّا أَنَّ أُمِّي أَثْبَتَتْ العَكسَ تَمَامًا
فَ مَرْجُوحَة الطُّفُولَة..
الَّتي أَعشَقُهَا وَأَحنُّ
إِلَيهَا دَائِمًا.. ربطَتْ حِبَالُهَا
أُمِّي بِخُيُوطِ أَعْصَابِهَا..
وَالَّذِينَ حَلَّلُوا الدُّمُوعَ
وَقَالُوا إِنَّهَا مَالِحَة..
لَمْ يَكُونُوا عَلَى صَوَاب
( رُبّمَا دُمُوع الرِّجَال )
أَمَّا دُمُوعُ الْأُمَّهَات
فَهُوَ مَاء سَلسَبِيلًا.. وَبِدَلِيلٍ قَاطِعٍ
ذَات لَيلة اِرتَفَعَتْ حَرَارَتِي
بِشَكْلٍ مُخِيفٍ وَمن شِدَّة
خَوْف أُمِّي وَأنا في حُضنهَا
ذَرَفَتْ دُمُوعهَا عَلى الفَور
سَقتني ..فَشُفيت ..
مُنذُ ذَاكَ اليَوم لَمْ أَشعُر بِالعَطَش ..
أَمَّا مَسَاءً وَمَا إِن يَقتَرب
اللَّيلُ وَيُرخِي سُدُولَهُ..
كَانَت تفرِشُ لي صَوتَهَا
تمَدِّدني عَلَى أَقدَامِهَا الطَّاهرَة
وَتَبْدَأ تهزّني  يَمِينًا  يَسَارًا
عَلَى نَغمَة يَلّا تنَام يَلّا تنَام..
أَغْفُو ..وَكَأَنَّنِي فِي جَنّةِ الرَّحمَن
عُيُونُ أُمِّي وَالمَلَائِكَةُ تَحرُسنِي..
وكُلّمَا أرادَ أبي أن يُمازِحَها
يَضحك وَيسألها
أينَ زُجَاجَات العطر..؟
تسارعُ أمِّي لِتَحضُنَنِي
تَنظرُ لِأَبي وَتَبتسمْ .
Ahid Akil
###


تعليقات

المشاركات الشائعة