القبر المرصود: بقلم شذى بركات

 المركز الثاني: ---21

شذى بركات


38 - للمسابقة

القبر المرصود 


تجاوزت الرابعة والعشرين من عمري، وكنت قد حصلت على شهادة في الهندسة الكهربائية، وحينها قررت جدتي اصطحابي إلى (الشيخ علام) فلا يعقل برأيها أنني قد بلغت هذا العمر ولم يتقدم لخطبتي أي شاب رغم كثرتهم حولي . 


بداية رفضت الأمر، وسخرت منه، فأنا لا أرغب بهكذا زواج، وهذه فكرة لاتصلح لزمننا...ولكن تحت إصرار جدتي وإلحاح أمي رضخت مزعنة للأمر، فقد أثارت فضولي بكلامها عن علم (الشيخ علام) وقدرته العجيبة على فك السحر وإبعاد الجن والشياطين . 


كان (الشيخ علام) يقطن في بيت بعيد نوعاً ما عن القرية، تحيط به أشجار السرو الكبيرة وقد طُلي البيتُ بطريقةٍ غريبةٍ وبلونٍ أحمر قرمزي قالت جدتي: إنه بهذا اللون كي يبعد الشياطين والجنّ عنه 

وقد علقت على شبابيكه مناديل خضراء عديدة تيمناً وتبركاً بصاحب البيت وليقوم بقضاء  حاجات من يقوم بربطها 


احنت جدتي ظهرها بخضوعٍ ودخلت إلى الشيخ وهي تقول: (بسم الله قصدناك راجين فلا تردنا خائبين)  وتبعتها... 

كان شيخاً في السبعين من عمره يغطي رأسه بعمامة بيضاء كبيرة، ويرتدي ملابس خضراء واسعة، وقد تربع في وسط غرفة مظلمة وأمامه تشتعل النيران ورائحة البخور تزكم الأنوف 

وما إن رآنا حتى استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وصرخ قائلاً: كيف تستطيعين المشي على قدميك؟! 

إنك مرصودة للجني (خونفوشاس)

تصبب العرق من جبهة جدتي، وبدأت ترتجف واصطكت مفاصلها، وجمد الدم في عروقها فقالت بخوف شديد وصوت متقطع: سيدنا الشيخ .. هل من طريقة...لفك السحر عنها...إنها حفيدتي وأحلم بأن أزوجها قبل موتي وأرغب في حمل أطفالها بين ذراعي

أردف الشيخ قائلاً: الأمر صعب وعسير 

وطلب منا الجلوس وراح يضع المزيد من البخور فوق المبخرة وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة 

وجدتي ترقبه بتلهف وخوف شديدين 


أما أنا فقد كنت غارقة في صور عُلقت وراءه تحمل صوراً لأشخاص لاتعرف صلاحهم من طلاحهم، بالإضافة إلى قرن ثور كبير، وذيل حصان أبيض، وأقدام دجاج مقززة وضعت في سلة تحت قدميه 

عاد الشيخ ليبحلق بي بشدة، يزم شفتيه تارةً ويقطّب حاجبية تارةً أخرى، يرفع عكازه مرةً، وينزلها مرةً ثانية بطريقةٍ هستيريةٍ... وفجأةً... نكزني بها وهو يصطرخ مدمدماً:( ياخونفوشاس... ياخونفوشاس...ياقاهر الناس ) 

أطلب منك أن تترك هذه الصبية وترحل عنها وسوف أقدم لحضرتك كلّ ماتريده 

ووضع يده على أذنه وكأنه يستمع إلى أحد قريب منه وهمس: ماذا؟...نعم! ...كل هذا؟...

كثير! ...حسنا..

أنا أتوسط للصبية أمرها يهمني...لا بأس ...لك ذلك 

تساءلت جدتي بعدما أن هدأ وعاد إلى طبيعته البشرية ماذا يطلب؟ وماذا يريد؟ نحن مستعدون المهم عندي أن تتزوج... 

قال لاشيء...سوى أنه قد وُضِع سحر لها في إحدى قبور القرية، وهي مرصودة كما قلت لك (لخونفوشاس) ويجب أن نخرج السحر من القبر أولاً... ثم نسترضي (خونفوشاس) حتى يغادر جسد حفيدتك وتُفكّ عقدة عدم زواجها...


هزت رأسها موافقة وكم نحتاج لإخراج ذلك السحر؟ ومن يجرؤ على إخراجه من القبر؟

أجاب بهدوء: لاتقلقي أيتها العجوز لدي من يستطيع إخراج السحر...ولو كان في الصين 

صرخ بصوته الجهوري: يا بني... يا سمعان...


وفي ذات اللحظة دخل الغرفة رجل قصير وبدين دميم الخلقة أنفه يشغل أكبر مساحة من وجهه وعيناه صغيرتان بالكاد تفتحان 

أضاف الرجل: رهن إشارتك يا سيدي 

أكمل الشيخ قائلا: عليك أن تحفر لنا قبراً قديماً في أطراف القرية البعيدة... قبر لعجوز ماتت منذ مئة سنة... تغطيه الأشواك... مهدمة أطرافه... يوجد في داخله كيس قماشي مملوء بشعر تيس، وسن ذئب، ودم أفعى سامة، عليك إخراجه وإحضاره لنا

رد القصير :في الحال ياسيدي ولكن الدرب بعيد والطريق خطر إلى هناك 

عدل الشيخ من جلسته وهو يقول: لاعليك ستقوم الجدة بدفع كل ما تحتاج إليه وحوّل وجهه إلى جدتي وخاطبها: 

ادفعي له ما بحوزتك من المال وسوف تكملين الحساب لاحقا... 

أخرجت جدتي كيس نقودها ودفعته إلى الرجل بأكمله وأنا في ذهول ودهشة ممايجري حولي .

***


تعليقات

المشاركات الشائعة