الضحك والحصار: بقلم مهاب حسين مصطفى

 المركز الثاني: ---  21

مهاب حسبن مصطفى

18 -  للمسابقة 

قصة قصيرة

الضحك والحصار

آه..

كم أحكموا حولك الحصار،

وداستك أقدام الغبار..

وراودك عن نفسك ذلك الذي،

يتأبط الصقيع.. ويتجشأ الوقت،

يعبر الشوارع الموحدة الإتجاة،

ويقف على الطوار المقابل ويشير!. 


كما راودك..

وجئت من أول رسالة،

وجلست بين يديه، وشكوت وظللت تشكو وهو ينصت، حتى نضبت الشكوى!. 


آه..

كم تعاقبت الفصول..

وفاجأك عند تناولك علبة الأقراص المهدئة. جلستما معا على المائدة، في المطبخ، تتناولان العشاء. يحكي أخر أخباره، يقص نوادره..

وتضحك.. كما لم تضحك من قبل. 

وتسعد بكما كل الصور المتوسدة الجدران.                   

صورة..

أنت وهو والأقران مصطفون في حوش المدرسة بزيكم الرمادي الباهت، وحقائبكم رابضة أسفل أقدامكم، والحديقة ترتفع أشجارها من خلفكم باسقة. والأستاذ" منعم " مدرس الحساب في المنتصف، منتصب القامة، بحلته الزرقاء الكالحة.

أما زلت تذكر الأستاذ" منعم"؟. 


أحببت.. وأحب مثلك.                         

وقلت له، والنيل ينساب كتلال الفضة، يترنم بأهازيج شجية.. كعزف ناي، يتهادى من عصور سحيقة. يطل من خلف السور الحجري.. كفارس يفتش عن جواد جامح، لينطلق من محبسه!.

أما برق وسط كثافة الاشجار، قلت بالحرف الواحد: 


- إن أحببت سيتغير العالم. 


غرد عصفور..

وباتت العربات حولنا كالفراشات.. تسبح فوق أديم الأسفلت. وباعة اللب والمشروبات، رغم سماجتهم طيبون. ونسمات صيف هبت ندية، رطبة، بلا لزوجة، لفحت وجوهنا.                                     فسعدت.. والله سعدت من تلافيف قلبي. وددتُ احتضان الفنادق المضيئة رغم البعد، السامقة، رغم استعلائها. 

حتى ذلك الشرطي الواقف، يحصد الناس بالنظرات.. يطلب الهويات، يمزقها ويطوحها في النهر!. حتى تطفلات المارة.. والرصيف المتآكل.. 

كل ذلك لم أشعر به. 


أحببت.. لكن العالم لم يتغير!. 


جئتني في السرادق..

وأنا متكوم فوق الكرسي، مهدم.

المقرئ يرسل آياته فيرج صدري، ويبعث مواجعي. مددت يدك. فلم  أتمالك نفسي، إرتميت في أحضانك بكل قسوة.. 

وبكيت كما لم أبك من قبل. 

ربت على كتفي في حنو، وقلت لي: 


- هون عليك. 


آه..

كم أحكموا حولك الحصار..

لكني لحظة لم أغفل عنك. 

كلما فتحت كتابا أو نافدة، 

أدرت مؤشر المذياع..                         

جلست على المقهى أرقب المارة يتحركون كالدمى، يتبادلون الأقنعة، ويصطدمون.. 

تذكرتك!. 


تشاجر إثنان في الحافلة بالأمس. 

قذف السائق الراكب لما سأله عن سبب تغيير مساره.. حطم نظارته الطبية. 

رأيت الجمع يلتفون حول السائق.. يمازحونه!.

فبرقت في خاطري على الفور، بعينيك يلوح فيهما ذلك الغضب البكر..

ذلك الحزم البهيج. 


لكنهم أحكموا حولك الحصار. 


وفي ليلة زفافي..                             

وصلتني الهدية. 

وقرأت كلماتك الرقيقة على الغلاف الأنيق المذهب: 


- افرح قدر ما تستطيع. 


وفرحت..

إن كنت لم أفقه قولك،

أخبرت زوجتي عنك، وظللت أمتدحك، أفضيتها رغبتي أن تأتي وتقيم معنا.

غضبت.. 

زمت شفتيها، لوت عنقها، ولم تمنحن نفسها،

إلا عندما أخبرتها أني أمزح..

  تُصدق!!. 


وكم كانت فاجعتي نافدة.

عندما جاء مولودي الأول بعد تسعة أشهر بالتمام، وانتظرت مجيئك..

أن تبرق لي من سفرك الذي لاينتهي.

ولم تفعل. 


ضبطتني زوجتي ذات يوم أبكي.. 

في ساعة متأخرة من الليل ..

وصورتنا موضوعة أمامي. فعنفتني، وأخبرتني أن ذلك لايليق، وأن إبني يحتار في أمري،

ويستنكر مسلكي هذا. 


لكني يا أعز الأحباب لم استسلم..          

أخفيتك في طي نفسي عنهم جميعا.. مدعيا الإذعان لمشيئتهم. وليتصورا أني أُسقطك في دوائر الزمن السوداء الطاحنة..                                 وأني انفلتُ من سواقيك النيرة..

وعبيرك الفواح.                                           خدعتهم جميعا.. وتذكرتك كلما خلوت بنفسي.                  حتى وأنا جالس معهم نتناول الغذاء.                                                                                  أتأمل وجهك،                                    

طريقة إمساكك الملعقة..

طريقة شربك الحساء، والسلطة الخضراء التي تبدأ بها الطعام.

وتمزح وأنا أرقبك.دد

تمزح وأنا أضحك وأفرح، وعندما يسألني ولدي: 


- على أي شيء تضحك يا أبي؟. 


أقول له:

- يوما ياولدي ستكبر وتعرف، وتذكره كما أذكره. وتضحك كلما تذكرته..                                                                 تضحك كما لم تضحك من قبل.

********


تعليقات

المشاركات الشائعة