أزهار الجنة: بقلم صاحب ساجت

 المركز الثالث: ---  20.5

صاحب ساجت


********

34 -  للمسابقة 

       

        -{أزهــارُ الـجــنّة}-                                                                                      

      تَوَقَّفَتْ عِندَ البابِ صَباحًا، وَ في يَدِها  تحْملُ حَديقةَ وردٍ. إمرأةٌ عاليةُ المقامِ، يَلِفُّ شعرَها شــالٌ أزرقٌ، وَ فَراشاتٌ - مِنْ بَينَ شفتَيها-  تَتطايرُ بِخفـَّةٍ، مُشْبَّعَةٍ برَحيقٍ مَختومٍ.  تَحيَّتي لَها - غالبًا– تَتَجاوزُ حَدَّها إلىٰ السُّؤالِ، وَ الإســْتطرَادِ بحَديثٍ نَديٍّ مَعَها. بَيْنَما حَفيدِي يَردُّ:                                        ــ أهلًا.. يا ســـِت!                                                 إلْتَفَتَتْ إلىٰ الصَّغيرِ وَ هَمَسَتْ  بِصَوتٍ مَسمُوعٍ:

ــ تَبدُو سَعيدًا هٰذا الصَّباحَ، لا بُدَّ إنَّكَ  نِمْــتَ هاديءً  وَ مرتاحَ البَالِ!                                                                            ــ نَعمْ.. سِــــت!                                                      ــ هَيَّا إقفِزْ إلىٰ مَقعدِكَ إنَّهُ بِانتظارِكَ. سَنُغنِّي نَشيدَ الصَّباحِ مَعًا في الدّاخلِ.

      أَمِدُّ يَدي فَتُســلُّمُني (جُنْبُذَةً) ًلَمْ تَتَفَتَّحْ بَعـْدُ تَختارُها لِيَّ وَ في حَلقي 

- لِماذا.. كَبيرَةٌ - يَشِقُّ عَلىٰ  لِساني نُطقُها!

وَ هي تَفْهَمُ صَمتي؛ فَتَهمِسُ:                                             ــ لِأنَّكَ ما زِلْتَ صَغيرًا! 


     أَدْلِفُ إلىٰ داخِلِ البَيتِ، أُحاوِرُ نَفسي:-

      "هٰذهِ جُذاذاتُ الثَّلجِ لَيسَتْ عَنْ مَرَضٍ أو تَعَبٍ، كَما يَعتَقِدُ البَعضُ، إنَّما هيَ ما تَركَهُ ليَ الآبــــــاءُ. وَ في وَقتٍ مُبكِّرٍ نَعَتَني بهــاأصدقــاءٌ.. وَ آخرُونَ. فَمــا أَثقَلَ هٰذا النـَّعْـتَ المُــؤدَّبَ عَلىٰ سَمعِي!  وَ أَرانِي أَحِثُّ الخُطَىٰ في إزاحَتِهِ عَنْ ذهني، بَلْ أُبالِغُ كَثيرًا  في عُنفُوان جَسدِي في الحَرَكَةِ وَ المَسيرِ وَ رياضـةِ الصَّباحِ." 


     اِخْترْتُ آنيَةً زجاجيةً، راقَ ليَّ شَكلَها، غَرسـْـــتُ فيها هَديَّتي، أنتَظرُ أنْ أرَىٰ أَوراقَهــــا تُزهِرُ وَ تَبتَسـِـمُ  بأريَحيَةٍ! 

أمامَ شــاشَـةِ تِلــفاز قَرْفصْتُ أبحَثُ عَنْ بَرنامَجٍ يُشْغلُني إلىٰ مَوعِدِ صَلاةِ الظُّهرِ، وَ عَودَةِ إبنَتي مِنْ دائِرتِهــــــــا في أَطرافِ المَدينَةِ.  كُلُّ شَيءٍ رَتـيبٌ، مُكرَّرٌ إلَّا أحداثُ السَّاعَةِ، فَثَمَةَ أَحداثٌ رهيبَةٌ يُشبِعُها مُحلِّلُونَ نَقاشًـــا في إسبُوعٍ لِيأتي حَدَثٌ آخرُ أَشْـــنَعَ مِنْهُ وَ أَمَـــرَّ!               

    لا أحَدَ سِوايَ في البَيتِ. زَوجَتي.. أحْسُبُها في خَيرٍ،إبنتي الوَحيدَةُ في عَملِها اليَوميِّ تُصارِعُ أيَّامَ فِراقِهـــا عـَنْ زَوجِها، إبنُها الوَحيدُ– أحمدٌ – حَفيدِي الحَبيبُ، أُوَدِّعُهُ أَمانَةً بِيدِ مُعَلِّمَتِهِ النَّبيلَةِ "أَزْهارُ" الحَريصَةُ– كَما أظُنُّها– عَلىٰ دَفْــعِ حَياةِ الطُّــفُولَةِ إلىٰ الأمامِ، وَ هيَ قادرةٌ بِكُلِّ ثِقَةٍ وَ إرادَةٍ . 


      في بَحْرِ دَقائِقٍ بَسيطَةٍ..  أَرِحْتُ جَسدِي فيها عَلىٰ أَريكَةٍ مُقابِلَ التِّلفازِ، أَخَذتني أحلامُ يَقظَةٍ وَرديَّةٍ، وَقائِعَ وَدُودَةٍ، تَزُورُني كُلَّما شَعرْتُ بالوِحدَةِ، وَ أَحسَبُ أنَّ ذٰلكَ جـُرْمٌ عَليَّ أَنْ أَقُرَّ بهِ، وَ أنـــالَ جَزاءً عَليهِ أَسْتَحِقُّهُ بامْتيازٍ! 


     تَهَشَّمَ زجاجُ نافذَةٍ مُحاذيَةٍ، وَ اَنْدَفعَتْ نَحوي شَظايا مُتطايرَةً مِنْ نافذَةٍ أُخرَىٰ. أمَّا السَّقْفُ  أَمْطَرَ بِرُعُونَةٍ ثُريَّاتٍ فُضيَّةٍ وَ ذَهبيَّةٍ أَلوانها، تَدلَّتْ مِنهُ مُنْذُ سِنينٍ. 

إخْتلطَتِ الأَصواتُ.. بَينَ تَهشـــيمٍ وَ تَكسيرٍ ، اصطِفاقٍ وَ سقُوطٍ. وَثَمَّ صَوتٌ وَحيدٌ، مُـفـزِعٌ عَلَا.. عَلىٰ الأصــــواتِ وَ أَعلنَ سيادَتَهُ ُبِمَوقِفٍ رَهيبٍ.. بِلا مُنازِعٍ!

   أَنَا .. مِثلُ كُلِّ مَفزُوعٍ.. مَرعُوبٌ، مُنكسرٌ،  يائسٌ أُفَتِشُ عَنْ قَشَّةِ أَمَلٍ وَسَطَ هَشيمٍ مُحتَرِقٍ، بَيْدَ أَنَّ كُلَّ جُهْدٍ ذَهَبَ هَباءً مَنثُورًا... 


     إنصَرمَتْ أيامُ  اللَّاوَعي وَ اليَأسِ وَ الحُزنِ في المَشفَىٰ أو في البَيتِ دُونَ جِرَاحٍ وَلا آلامٍ وَ لا طَلباتٍ إلَّا اللَّممُ، أُصارِعُ  قَـــدَري  بُغيَةَ اِقتناصِ لَحظةَ فَرحٍ و سَعادةٍ مَعَ 'أحمد' أو سِواهُ! لٰكنْ.. َبَقِيَ لي عَزاءٌ وَحيدٌ  للسَـنَةِ الرابِعَةِ أنْ أَتَسلَّمَ راتبًا تَقاعديًّا وَ أبْتاعَ ثَلاثينَ وَردةً  لِأضعَهــا عَلىٰ مَثاوِي نُجُومٍ هَوتْ، أَحبَّةٍ صِغارٍ  تَتَوسطُهُم  'أَزهارُ'...  

ُمعَلِّمَتُهُمُ النَّبيلَةُ! 

*******


تعليقات

المشاركات الشائعة