دموع: بقلم ابراهيم مصري النهر

 المركز الخامس: ----19.5

ابراهيم مصري النهر


9 -  للمسابقة

دموع

في مدينة الإسكندرية، وفي يوم من أيام الشتاء؛ السماء ملبدة بالغمام، وتنذر بهطول مطر وشيك.

جلست تحت مظلة المحطة أنتظر الترام، بجواري تجلس سيدة في العشرينات من عمرها، يبدو عليها أنها في الشهور الأخيرة من حملها، تتحدث معها امرأة عجوز؛ أكل عليها الزمان وشرب، تسند ما تبقى من قواها بعكاز في يدها، تتكلم بنبرة عالية ومتهدجة وشفتين مرتعشتين، تسألها أسئلة كثيرة: عمَّا إذا كانت حبلى، ومتى ستلد، ولماذا تخرج وحدها ولا يصطحبها زوجها أو أحد من أهلها وهي في الشهور الأخيرة من حملها، ...؟!

والسيدة تشعر بالخجل، تحاول اسكاتها دون جدوى، فالعجوز مسترسلة في أسئلة متتالية ولا تعطيها فرصة للرد أو إن شئت قل لا تنتظر منها ردا من الأساس.

ثم سكتت فجأءة وأطرقت إلى الأرض، تنفست السيدة الحامل الصعداء، لكن السكوت لم يدم طويلا وواصلت العجوز حديثها المعجون بماء الحزن: لا تخافي يا ابنتي ألم الولادة، ففرحتك بالمولود المنتظر ستنسيك إياها.. وتنهدت تنهيدة طويلة واستدركت: المؤلم حقا أن ترضعيه وترعيه حتى يكبر ويتخرج من الجامعة، ثم يركب البحر باحثا عن فرصة عمل، فيبتلعه البحر وبعد أيام يلفظه على شاطئه جيفة مهترئة..

وتساقطت الدموع من عينيها متزامنة مع تساقط دموع السماء.

على مجيء الترام، نهضت السيدة الحامل وأخذت بيد المرأة العجوز، والعجوز لا تكف عن سؤالها: من أنت، وأين زوجك، لماذا يتركك تخرجين وحدك وأنت في الشهور الأخيرة من حملك؟!

قالت السيدة الحامل بصوت تخنقه العبرة: أسرعي يا أمي قبل أن يتحرك الترام لنلحق طبيبك، هل عليَّ أن أذكرك في كل مرة نخرج فيها أن زوجي هو ابنك الذي غرق في البحر منذ شهور؟!

******


تعليقات

المشاركات الشائعة